سورة يس - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)}
في بعثة الأثنين حكمة بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة عيسى بإذن الله فكان عليهما إنهاء الأمر إلى عيسى والإتيان بما أمر الله، والله عالم بكل شيء لا يحتاج إلى شاهد يشهد عنده، وأما عيسى فهو بشر فأمره الله بإرسال اثنين ليكون قولهما على قومهما عند عيسى حجة تامة.
وقوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوينا وقرئ فعززنا بثالث مخففاً، من عز إذا غلب فكأنه قال فغلبنا نحن وقهرنا بثالث والأول أظهر وأشهر وترك المفعول حيث لم يقل فعززناهما لمعنى لطيف وهو أن المقصود من بعثهما نصرة الحق لا نصرتهما والكل مقوون للدين المتين بالبرهان المبين، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: النبي صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى الأطراف واكتفى بواحد وعيسى عليه السلام بعث اثنين، نقول النبي بعث لتقرير الفروع وهو دون الأصول فاكتفى بواحد فإن خبر الواحد في الفروع مقبول، وأما هما فبعثا بالأصول وجعل لهما معجزة تفيد اليقين وإلا لما كفى إرسال اثنين أيضاً ولا ثلاثة.
المسألة الثانية: قال الله تعالى لموسى عليه السلام {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} [القصص: 35] فذكر المفعول هناك ولم يذكره هاهنا مع أن المقصود هناك أيضاً نصرة الحق، نقول موسى عليه السلام كان أفضل من هارون وهارون بعث معه بطلبه حيث قال: {فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ} [القصص: 34] فكان هارون معبوثاً ليصدق موسى فيما يقول ويقوم بما يأمره، وأما هما فكل واحد مستقل ناطق بالحق فكان هناك المقصود تقوية موسى وإرسال من يؤنس معه وهو هارون، وأما هاهنا فالمقصود تقوية الحق فظهر الفرق.


{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)}
ثم بين الله ما جرى منهم وعليهم مثل ما جرى من محمد صلى الله عليه وسلم وعليه فقالوا: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} [يس: 14] كما قال: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} [يس: 3] وبين ما قال القوم بقوله: {قَالُواْ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَيْءٍ} جعلوا كونهم بشراً مثلهم دليلاً على عدم الإرسال، وهذا عام من المشركين قالوا في حق محمد: {أأنزل عَلَيْهِ الذكر} [ص: 8] وإنما ظنوه دليلاً بناءً على أنهم لم يعتقدوا في الله الاختيار، وإنما قالوا فيه إنه موجب بالذات وقد استوينا في البشرية فلا يمكن الرجحان، والله تعالى رد عليهم قولهم بقوله: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وبقوله: {الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء} [الشورى: 13] إلى غير ذلك، وقوله: {وما أَنزَلَ الرحمن مِن شَيْءٍ} يحتمل وجه أحدهما: أن يكون متمماً لما ذكروه فيكون الكل شبهة واحدة، ووجهه هو أنهم قالوا أنتم بشر فما نزلتم من عند الله وما أنزل الله إليكم أحداً، فكيف صرتم رسلاً لله؟ ثانيهما: أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة ووجهه هو أنهم لما قالوا أنتم بشر مثلنا فلا يجوز رجحانكم علينا ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المرسلين، ثم قالوا شبهة أخرى من جهة المرسل، وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئاً في هذا العالم، فإنه تصرفه في العالم العلوي وللعلويات التصرف في السفليات على مذهبهم، فالله تعالى لم ينزل شيئاً من الأشياء في الدنيا فكيف أنزل إليكم، وقوله: {الرحمن} إشارة إلى الرد عليهم، لأن الله لما كان رحمن الدنيا والإرسال رحمة، فكيف لا ينزل رحمته وهو رحمن، فقال إنهم قالوا: ما أنزل الرحمن شيئاً، وكيف لا ينزل الرحمن مع كونه رحمن شيئاً، هو الرحمة الكاملة.
ثم قال تعالى: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} أي ما أنتم إلا كاذبين.


{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)}
إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا، بل أعادوا ذلك لهم وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين وقالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وأكدوه باللام، لأن يعلم الله يجري مجرى القسم، لأن من يقول يعلم الله فيما لا يكون قد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب، كما أن الحنث سببه، وفي قوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} إشارة إلى الرد عليهم حيث قالوا أنتم بشر، وذلك لأن الله إذا كان يعلم أنهم لمرسلون، يكون كقوله تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] يعني هو عالم بالأمور وقادر، فاختارنا بعلمه لرسالته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8